تشكل الهجرة تهديدًا هجينًا ومحركًا للتغيير الديموغرافي في نصف الكرة الغربي.
في وقتٍ حرجٍ لإدارة الهجرة الأوروبية، احتلت قبرص مكانةً بارزةً في الحوار الدولي، حيث قدمت تحليلاً موثقاً جيداً لاستغلال تركيا لتدفقات الهجرة.
قُدِّم هذا العرض في 28 مارس/آذار، في سياق خلوةٍ مواضيعيةٍ استضافها الوفد البولندي في سويسرا، وجمع ممثلين رفيعي المستوى من الدول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وخبراء قانونيين.
ومثّلت نائبة وزير الهجرة والحماية الدولية (DMIP) السيدة أنتا أرغيروبولو، المسؤولة الإدارية.
لم تقتصر المشاركة القبرصية، نيابةً عن وزارة الهجرة والحماية الدولية، على تقرير عام. بل سلّط العرض الضوء على الأساليب المُستهدفة التي تستخدمها تركيا لتسهيل الهجرة غير النظامية إلى قبرص،
مثل تنظيم رحلات جوية مباشرة بأسعار معقولة، وإلغاء تأشيرات الدخول لمواطني الدول الثالثة ذات المخاطر العالية في الهجرة، ومنح “تأشيرات طلابية” دون شروط أكاديمية.
ووُصفت هذه الممارسات بأنها جزء من استراتيجية أوسع نطاقًا تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية لقبرص، على غرار أساليب الاستعمار عام ١٩٧٤.
كما قدّم العرض التمييز بين الإجراءات النشطة و”السلبية أو المتسامحة” من جانب الدول المعادية، مما وسّع نطاق فهم التهديدات الهجينة.
وركز بشكل خاص على مفهوم “استغلال الهجرة”، الذي لم يعد يقتصر على الدفع الجماعي للمهاجرين عبر الحدود البرية، بل يشمل أيضًا تكتيكات أكثر تعقيدًا وتنظيمًا، مثل تلك التي تنفذها تركيا.
علاوة على ذلك، يُنظر على مستوى الاتحاد الأوروبي في مبادرات محددة لتعزيز مراقبة الحدود الخارجية، بما في ذلك استخدام حلول تكنولوجية متقدمة وتوسيع نطاق الوجود العملياتي لوكالة فرونت.
التغيير الديموغرافي: خطة طويلة الأمد؟
وبحسب معلومات “سيميريني”، كشف العرض عن الطريقة التي تنفذ بها تركيا منذ سنوات خطة مرتبطة بمحاولتها تغيير التركيبة السكانية لقبرص – وهو مسعى يعود تاريخه إلى أساليب الفترة التي أعقبت غزو عام 1974، عندما جرت عملية نقل منظمة للمستوطنين من الأناضول إلى الأراضي المحتلة.
ووصف “استغلال الهجرة” الحالي بأنه الامتداد الحديث لهذه الاستراتيجية: ليس من خلال الأسلحة، ولكن من خلال التدفق الهائل والموجه لطالبي اللجوء، بهدف نهائي يتمثل في زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي في المناطق الحرة في جمهورية قبرص.
الخط الأخضر والبيانات الرقمية
كانت النقطة المحورية في التحليل القبرصي هي الخط الأخضر – خط وقف إطلاق النار الذي يعمل الآن كممر للهجرة غير الشرعية من المناطق المحتلة إلى المناطق الحرة. يصل 98٪ من طالبي اللجوء إلى قبرص عبر هذا الطريق، بعد دخول تركيا أولاً.
تستقبل قبرص آلاف طالبي اللجوء سنويًا، ووفقًا للأرقام الرسمية، سُجِّل 21 ألف طلب لجوء جديد في عام 2022، أي ما يعادل أكثر من 7% من عدد السكان – وهي نسبة هائلة بالنسبة لحجم جمهورية قبرص.
وللمقارنة، فإن النسبة نفسها في ألمانيا تعني أكثر من مليوني طالب لجوء سنويًا.
إن محدودية الموارد المالية واللوجستية في جمهورية قبرص الحرة تجعل مشكلة إدارة الهجرة غير الشرعية أمرًا حيويًا.
الاتصالات والإغفالات والأفعال السلبية
لم يقتصر العرض على الأرقام، بل امتدّ ليشمل تصرفات تركيا السلبية أو المتسامحة – وهو مفهومٌ عزز نظريًا إطار التهديد الهجين.
بدءًا من إصدار “تأشيرات طلابية” لأفراد لا يستوفون معايير أكاديمية، وصولًا إلى رفع التأشيرات عن الدول ذات مخاطر الهجرة العالية، وُصفت الأساليب بأنها متعمدة ومدروسة.
وفي الوقت نفسه، أفادت التقارير أن تركيا تستفيد من الدعم المالي الأوروبي للاجئين داخل حدودها، وفي الوقت نفسه تسهل توجيه هؤلاء الأشخاص إلى قبرص.
رد فعل المجتمع الدولي
أثار الموقف القبرصي اهتمامًا وقلقًا بالغين. وأشار دبلوماسيون وخبراء إلى أن ما قدمته قبرص يُظهر أهمية دراسة الهجرة، ليس فقط كقضية إنسانية وقانونية، بل أيضًا كأداة من أدوات السياسة الخارجية.
وكما صرّح متحدث باسم المنظمين: “شكّل عرض قبرص الأساس لطريقة جديدة لفهم التهديد.
لقد كان تحليلاً دقيقاً وموثقاً وعميقاً، فتح أعيننا جميعاً”.
رسالة حزب الكتائب: الالتزام والحذر أيضًا
في ختام العرض، أكد ممثل قبرص:
“إن ما نواجهه ليس مجرد مشكلة إدارية، بل هو تهديدٌ تقوده الدولة، وله سياق جيوسياسي واضح.
نبقى أوفياء لالتزاماتنا الدولية، ولكن لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي في مواجهة وضعٍ يهدد تماسك أمتنا وسيادتها وهويتها الديموغرافية”.
إن المجتمع الدولي مدعو الآن إلى إلقاء نظرة جديدة على الدور الذي تلعبه الهجرة على رقعة الشطرنج الجيوسياسية، مع الاعتراف بأن قبرص ليست مجرد دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تتأثر بتدفقات الهجرة،
بل هي خط الدفاع الأول ضد شكل جديد غير متكافئ من أشكال التهديد.
الاتحاد الأوروبي يشيد بتركيا
في الأيام الأخيرة، أكد سفير تركيا لدى الاتحاد الأوروبي، فاروق كايمكجي، أن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي لا تقتصر على الهجرة، بل ينبغي أن تركز على تعاون أوسع.
جاء ذلك خلال افتتاح معرض صور عن اللاجئين السوريين في بروكسل، بمناسبة اليوم العالمي للاجئين.
في تقريره المعنون “حياة واحدة، قصة واحدة”، أشار كايماكجي إلى أن تركيا تستضيف أكثر من 2.5 مليون سوري – أي أكثر من أي دولة أخرى – وتقدم لهم خدمات صحية وتعليمية واجتماعية.
وشدد على أن عودة اللاجئين إلى سوريا يجب أن تكون آمنة وطوعية وكريمة.
وأشاد رئيس وفد الاتحاد الأوروبي إلى تركيا توماس هانز أوسوفسكي بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في دعم اللاجئين، مؤكداً على القصص الإنسانية وراء الأرقام.
ميتسوتاكيس ينشط القوات المسلحة
عند وصوله إلى قمة المجلس الأوروبي في بروكسل يوم الخميس، ركز رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بشكل خاص على قضية الهجرة، مع التركيز على التدفقات المتزايدة من ليبيا.
وقال رئيس الوزراء في تصريح له “يجب إرسال إشارة واضحة إلى الحكومة الليبية مفادها أنه يتعين عليها التعاون مع أعضاء الاتحاد الأوروبي حتى لا تغادر قوارب تجار الرقيق المياه الإقليمية للبلاد”.
في هذا السياق، أعلن أن اليونان قد فعّلت بالفعل قواتها المسلحة، حيث قامت بمهمة مراقبة في المياه الدولية قبالة ليبيا.
والهدف من ذلك هو ردع تجار البشر وتوجيه رسالة واضحة إلى السلطات الليبية مفادها أنه يجب على قواربهم عدم الإبحار، أو في حال إبحارها، العودة قبل مغادرة المياه الإقليمية الليبية.
الرئاسة الدنماركية: موقف متشدد بشأن الهجرة
أعلنت المفوضية الأوروبية عن “ميثاق المناطق الشرقية”، وهو مبادرة جديدة لتعزيز الاقتصاد والأمن في المناطق الحدودية الشرقية للاتحاد الأوروبي.
تهدف الخطة إلى دعم الدول التي تواجه تحديات متزايدة، كالهجرة غير النظامية والضغط على البنية التحتية الدفاعية، من خلال تحسين البنية التحتية والتماسك الاقتصادي وتعزيز القدرة على الصمود.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الدنمارك، المؤيدة لسياسة هجرة صارمة، تخطط لاستغلال توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من الأول من يوليو/تموز لتعزيز موقف الاتحاد المتشدد.
وأكدت وزيرة الشؤون الأوروبية الدنماركية، ماري بيير، أن الهجرة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بأمن أوروبا.
وتهدف رئيسة الوزراء ميت فريدريكسن إلى معالجة طلبات اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي والحد من تدخلات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
رغم حاجتها للعمال الأجانب، تُصرّ الدنمارك على الحدّ من تدفقات الهجرة للحفاظ على رفاهيتها.
يُمنح اللاجئون في البلاد تصاريح إقامة مؤقتة، ويُشجَّعون على العودة إلى أوطانهم عند انتفاء أسباب الحماية.
ألمانيا تعلق لم شمل العائلات للمهاجرين
في هذه الأثناء، وافق مجلس النواب الألماني يوم الجمعة على تعليق لمدة عامين لعمليات لم شمل الأسرة للمهاجرين الحاصلين على وضع “الحماية الفرعية” – وهو وضع لا يرقى إلى اللجوء الكامل ولكنه مُنح للعديد من اللاجئين من سوريا.
وتعمل الحكومة المحافظة الجديدة برئاسة المستشار فريدريش ميرز على تعزيز سياسة الهجرة الأكثر صرامة، بعد أن عززت بالفعل وجود الشرطة على الحدود ونفذت قيوداً على دخول طالبي اللجوء.
ويعد مشروع القانون، وهو الأول للحكومة الجديدة بشأن الهجرة، يلغي مؤقتًا لائحة صدرت عام 2018 والتي سمحت لما يصل إلى 1000 قريب شهريًا بالانضمام إلى أفراد الأسرة الذين يتمتعون بحماية محدودة.
صرح وزير الداخلية ألكسندر دوبريند بأن هذا التغيير سيقلل عدد الوافدين سنويًا بنحو 12 ألف شخص، وسيُقلل من “حافز” الهجرة دون اللجوء الكامل.
وقد لاقى هذا الإجراء ردود فعل عنيفة من المعارضة، حيث وصفه حزب الخضر بأنه “هجوم على مؤسسة الأسرة”، بينما وصفه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف بأنه “خطوة صغيرة ولكنها صائبة”.
في هذه الأثناء، لا تنوي الحكومة الألمانية الجديدة مواصلة تمويل المنظمات غير الحكومية المشاركة في عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط،
على الرغم من قرار البرلمان الألماني السابق بتقديم مساعدة سنوية قدرها مليوني يورو حتى عام 2026.
المصدر: SIGMA LIVE
تستطيع الدخول للخبر في الجريدة الرسمية بمجرد الضغط على هذا الرابط:-
يرجى ملاحظة أن جميع المواد المعروضة في “موقع فلسطينيو قبرص” محمية بحقوق الطبع والنشر وقوانين الألفية الرقمية لحماية البيانات.