يقومون بحجب مواقع التواصل الاجتماعي للقاصرين تحت سن 16 سنة
تدخل قبرص في نقاش ساخن وتجريبي إلى حد كبير حول ما إذا كان ينبغي إدخال قيد قانوني يمنع القاصرين الذين تقل أعمارهم عن 16 عامًا من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد أثارت هذه المناقشة، التي نشأت في الأيام الأخيرة بعد تقديم الاقتراح إلى البرلمان برئاسة النائب عن حزب DISY ديميتريس ديميتريو كمقرر، اهتماما شديدا ومخاوف واختلافات في الآراء.
ومن المناسب دراسة ما يقدمه الاقتراح، وما يدعمه المقرر، وما هي الأمثلة من الخارج، وما إذا كان قابلاً للتطبيق من الناحية الفنية والقانونية، وما هي المخاطر الكبيرة بالنسبة لقبرص.
ما هي التعديلات التي يقترحها مشروع القانون؟
التغيير الرئيسي الذي يتضمنه القانون المقترح هو زيادة الحد الأدنى لسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من 14 عامًا، وهو المعمول به حاليًا، إلى 16 عامًا.
وكما علم “S”، إذا تم التصويت على الاقتراح، فإن الحد الجديد سيلزم منصات مثل Instagram وTikTok وFacebook وX وSnapchat وReddit وغيرها بتنفيذ آليات التحقق من العمر.
يُشار إلى أن الاقتراح لا يتعلق فقط بالوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بل يمتد لأسباب الحماية إلى مجالات أخرى، مثل المشاركة في المقامرة أو شراء منتجات التبغ من قبل القاصرين.
فيما يتعلق بمسألة التحقق من المعلومات والعمر، يُقترح استخدام الهوية الرقمية (المحرر: المواطن الرقمي) كأداة، بحيث يمكن الحصول على المعلومات الأساسية للسماح بالاستخدام الأول للتطبيق.
ويرى المقرر الخاص أن الهدف ليس استبعاد الشباب من الإنترنت بشكل كامل، بل تعزيز حمايتهم.
وفي المناقشة الأولى التي جرت في لجنة الشؤون القانونية، أعرب عدد من النواب عن موقف إيجابي تجاه المقترح، ولكنهم أبدوا أيضا تحفظات بشأن كيفية تنفيذه عمليا، حيث أكد رئيس اللجنة على أنه لا ينبغي استغلال الأطفال، بل حمايتهم.
ومن المقبول على نطاق واسع أن الحظر الحالي الذي يحدد السن بـ 14 عاماً هو “على الورق فقط” ولا يتم تطبيقه عملياً، وهو ما يحاول التشريع الجديد تغييره.
مع ذلك، فإن الحجة الرئيسية “للمنتقدين” تتمثل في النص الوارد في القانون المقترح بشأن تطبيق الاستثناءات في حالات خاصة، بالإضافة إلى آلية الرقابة. وتحديدًا، لم تُوضَّح تفاصيل الاستثناءات التي قد تتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض تعليمية ولأشكال التواصل “الحساسة” بشكل كافٍ.
الحجج والمخاوف
يُجادل ديميتريس ديميتريو، بصفته مقررًا، بأن مقترحه يهدف إلى تعزيز سلامة القاصرين على الإنترنت. ويُشير إلى أن الحد العمري الحالي، وهو 14 عامًا، لا يُطبّق عمليًا، وليس له تطبيق جوهري.
وفي الوقت نفسه، تعهدت المنصات الكبرى بالامتثال، لكنها لم تظهر أي نية للقيام بذلك فعليا.
إن ربط الاستخدام الأول للتطبيق بالهوية الرقمية سيكون بمثابة أداة للتحقق من العمر ومنع التصريحات الكاذبة.
وأكد أن الهدف ليس تعليق الوصول إلى الإنترنت أو عزل الشباب، بل توفير إطار لاستخدام أكثر أمانًا.
ويزعم أن دولاً أخرى اعتمدت حدوداً مماثلة، وأن قبرص لا ينبغي أن تتخلف عن الركب.
ومع ذلك، فمن الواضح أن تنفيذ هذا الإجراء سوف يواجه في جوهره تحديات تقنية وقانونية وعملية معقدة، وهو التحدي الذي يعترف به هو نفسه، حتى بشكل غير مباشر.
الممارسة الدولية
ليست هذه المرة الأولى التي تدرس فيها حكومات العالم فرض قيود على وصول القاصرين إلى مواقع التواصل الاجتماعي، أو تتبنى هذه الحكومات هذه القيود. ففي نهاية المطاف، دفعت المخاوف المتعلقة بالصحة النفسية والإدمان وانتشار المحتوى الضار والتحرش الإلكتروني هذه القضية إلى الواجهة في العديد من الدول.
بعد استطلاع أجرته مؤسسة “S”، يبدو أن 11 دولة على الأقل في الاتحاد الأوروبي لديها بالفعل حد أقصى للعمر يبلغ 16 عامًا للوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي تحاول قبرص اتباعه.
المثال الأشد قسوةً هو أستراليا، التي أصدرت قانونًا يحظر استخدام منصات التواصل الاجتماعي لمن هم دون سن السادسة عشرة، ويفرض عقوبات مالية صارمة على الشركات المخالفة. سيبدأ التنفيذ تدريجيًا، مع تطبيق إجراءات تجريبية واختبار الضوابط التقنية.
ومن الجدير بالذكر أن أستراليا تعتبر “منطقة تجريبية” في هذا النهج، إذ يعد أحد الإجراءات الأكثر جرأة على مستوى العالم.
وفي أوروبا، يكون الإطار أكثر تنوعا، حيث ينص الاتحاد الأوروبي، من خلال لائحة حماية البيانات العامة، على أن خدمات “مجتمع المعلومات” يمكنها معالجة بيانات الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 16 عاما فأكثر بموافقتهم الخاصة، بينما بالنسبة للأعمار الأصغر، يلزم الحصول على موافقة الوالدين، مع إمكانية قيام الدول الأعضاء بتحديد حد أدنى للعمر يصل إلى 13 عاما.
وقد اختارت العديد من الدول الأوروبية نموذج موافقة الوالدين بالنسبة للقاصرين الذين تقل أعمارهم عن سن معينة.
على سبيل المثال، في فرنسا، يلزم الحصول على موافقة الوالدين بالنسبة للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا، على الرغم من أن التطبيق لا يزال محدودًا.
وفي ألمانيا، يشارك الآباء في هذه العملية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و16 عاماً، ولكن لا توجد خطط فورية لحظرها بشكل صريح.
تدرس بعض دول الاتحاد الأوروبي اعتماد حدود عمرية موحدة على المستوى الأوروبي، بهدف تجنب “السياحة” الرقمية بين البلدان.
علاوة على ذلك، بدأ في أوروبا مناقشة مفهوم النضج الرقمي، وهو مصطلح يُحدد متى يُعتبر المستخدم “ناضجًا رقميًا” ويتمتع بإمكانية الوصول الكامل. في اليونان، على سبيل المثال، هناك مقترح بتحديد سن النضج الرقمي بـ 15 عامًا.
وفي الولايات المتحدة، تسعى مقترحات مثل “قانون منع الأطفال من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” إلى منع الأطفال دون سن 13 عاماً من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الحد من استخدام الخوارزميات للقاصرين دون سن 17 عاماً.
وتقترح بلدان أخرى، مثل النرويج، رفع سن الرشد إلى 15 عاماً.
وفي العديد من البلدان، وعلى الرغم من القوانين، فإن الالتزام بالحدود يعد مشكلة، بسبب سهولة تزييف العمر من خلال بيانات كاذبة أو استخدام تقنيات بديلة.
لذلك، تُظهر التجارب الدولية أنه لا توجد وصفة سحرية، فكلما زادت صرامة الإجراءات، زادت التحديات التقنية والمؤسسية. وتسعى الدول التي تمضي بحذر أكبر إلى تغييرات تدريجية وتطبيقات تجريبية والتعاون مع المنصات.
هل هذا الإجراء قابل للتنفيذ؟
ويثير مشروع القانون، كما تم تقديمه، العديد من التحديات الفنية والقانونية والمؤسسية.
تكمن الصعوبة الأكبر في كيفية التحقق من عمر المستخدم الذي يحاول التسجيل أو استخدام منصة ما عمليًا. يُقدم العديد من الشباب معلومات كاذبة بسهولة. لهذا السبب، يقترح مشروع القانون استخدام الهوية الرقمية كأداة للتحقق.
ومع ذلك، لا توجد في قبرص حاليًا هويات رقمية كاملة للقاصرين، كما لا يوجد التزام قانوني بالتحقق من العمر في الخدمات عبر الإنترنت بموجب التشريعات الحالية.
علاوة على ذلك، فإن تقنيات التحقق من العمر تأتي دائمًا مصحوبة بقضايا تتعلق بالخصوصية والأمان وحماية البيانات.
في الوقت نفسه، ينبغي أن يتوافق المقترح مع اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) وأحكام البيانات الشخصية. ووفقًا للمادة 8 من اللائحة، تتطلب معالجة بيانات الأطفال دون سن السادسة عشرة موافقة الوالدين، وذلك في حدود ما تسمح به الدول الأعضاء.
لذلك، ينبغي أن تضمن اللوائح التشريعية في قبرص عدم انتهاك جمع معلومات العمر والتحقق منها للخصوصية وحقوق البيانات الشخصية، وخاصةً للأطفال. علاوةً على ذلك، ينص التشريع المتعلق بخدمات الوسائط السمعية والبصرية على وجوب اتخاذ منصات مشاركة الفيديو الخاضعة للولاية القضائية القبرصية تدابير لحماية القاصرين من المحتوى الضار.
نقطة حاسمة أخرى هي من هي الجهات المُدققة التي ستُشرف على الامتثال؟
هل هي الدولة، أم هيئة مستقلة، أم مؤسسات تُشرف على خدمات الاتصالات والإنترنت؟
هل ستُفرض غرامات على المنصات التي لا تمتثل، كما هو الحال في أستراليا، أم على المستخدمين؟
يتضمن القانون المُقترح اعتبارات تتعلق بغرامات مالية على الشركات التي لا تُطبّق اللوائح.
بالإضافة إلى ذلك، هناك صعوبة عملية في التحكم فيما إذا كانت الهيئة المختصة، أو مكتب مفوض حماية البيانات أو أي هيئة تنظيمية أخرى، سوف تكون متورطة.
“خدعة” الشباب
إذا فرضت قبرص حدًا عمريًا، فمن المرجح أن يحاول العديد من الشباب التحايل على هذا التقييد عبر شبكات VPN وبيانات اعتماد مزورة. إن طبيعة الإنترنت العابرة للحدود تُصعّب تطبيق القيود الوطنية في حال غياب التنسيق على المستويين الأوروبي والدولي.
الحظر وحده لا يكفي، إذ يتطلب الأمر برنامجًا موازيًا للتوعية، وتثقيف الشباب وأولياء الأمور حول الاستخدام الآمن، وتعزيز أدوات الرقابة الأبوية، بالإضافة إلى دعم مجالس المدارس والأخصائيين النفسيين. إذا اعتبره المجتمع “إلغاءً للحرية”، فستنشأ مقاومة.
الرهان الكبير
قبرص، كونها دولة صغيرة ذات عدد محدود من المستخدمين، ولكن معدل انتشار مرتفع للإنترنت، لديها القدرة على أن تكون بمثابة “مختبر تجريبي” لمثل هذا الإطار التشريعي. إذا نجحت في وضع قانون يُطبّق عمليًا، فسيكون قدوة للدول الأخرى.
التحدي هو إثبات أن الحظر أو التقييد يمكن تنفيذه بشكل موثوق وآمن وعدم تحويله إلى أداة للقمع أو السيطرة، ولكن إلى إجراء لتعزيز الأمن الرقمي للشباب.
وسيكون النقاش المقبل في البرلمان ذا أهمية بالغة، إذ من الضروري توضيح معايير تنفيذ التشريع، من أجل ضمان حماية الأطفال دون تعطيل اندماجهم الاجتماعي.
المصدر: SIGMA LIVE
تستطيع الدخول للخبر في الجريدة الرسمية بمجرد الضغط على هذا الرابط:-
يرجى ملاحظة أن جميع المواد المعروضة في “موقع فلسطينيو قبرص” محمية بحقوق الطبع والنشر وقوانين الألفية الرقمية لحماية البيانات.