قبرص على “عتبة” شنغن – تقييمات نقدية، فوائد و”عقبات”
تقترب قبرص خطوةً أخرى نحو تحقيق أحد أهم إنجازات تاريخها الحديث، وهو الانضمام إلى منطقة شنغن.
عمليةٌ استغرقت سنواتٍ من التحضيرات التقنية والاضطرابات السياسية والتعديلات المؤسسية، لكنها اليوم تقف عند مفترق طرق حاسم.
ولأول مرة، تبدو البلاد قريبةً جدًا من الموافقة النهائية، حيث أعلنت الحكومة أنها “أكثر استعدادًا من أي وقت مضى”، بينما تُكثّف بروكسل عمليات الرقابة والتقييم.
تقييمات نهائية
في الأيام الأخيرة، أجرى فريق متخصص من المفوضية الأوروبية عمليات تفتيش دقيقة للبنية التحتية والخدمات في جمهورية قبرص.
ووفقًا لمعلومات من “S”، تُشكل هذه التفتيشات المرحلة النهائية من عملية التقييم متعددة السنوات للانضمام إلى منطقة شنغن.
ولا يقتصر وجود المسؤولين في قبرص على الجانب الشكلي، بل هو ذو أهمية بالغة، إذ يُركز على المجالات التي يجب على قبرص إثبات امتثالها الكامل للمعايير الأوروبية فيها.
تدرس البعثة الإطار المؤسسي والجاهزية العملياتية للبلاد.
وتفحص إجراءات التأشيرات، وكفاءة الأنظمة الأمنية، والربط مع قواعد البيانات الأوروبية، والضوابط في المطارات والموانئ، فضلاً عن قدرة قبرص على حماية حدودها الخارجية، على الرغم من خصوصية الخط الأخضر.
ولا تخفي المفوضية أن التعقيد الجغرافي والسياسي للجزيرة يتطلب تقييماً أكثر دقة، دون أن يعني ذلك بالضرورة تقليص فرص الانضمام.
فيما يتعلق بالحواجز الأمنية، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الرقابة عليها، إذ يُعتقد أن هناك مجالاً واسعاً للتحسين.
ورغم أن الخط الأخضر لا يُمثل حدوداً لجمهورية قبرص، إلا أن الاتحاد يولي اهتماماً خاصاً لرفع مستوى الرقابة عند هذه الحواجز، وهو شرط أساسي للانضمام إلى منطقة شنغن.
بمجرد إبلاغ “S”، سيتم تعزيز نقاط التفتيش بالكوادر والتقنيات، مع توقع تكثيف جهود الموظفين العاملين بالساعة لمراقبة المعابر من وإلى الأراضي المحتلة بفعالية.
وقد سُجلت في السابق شكاوى عديدة تفيد بعدم كفاية إجراءات الرقابة، لا سيما خلال فترات ازدياد حركة المرور.
بالطبع، تتعلق هذه الجهود بنقاط العبور الرسمية، بينما تكمن المشكلة في “المناطق الميتة” التي تجري منها التجارة غير المشروعة أو مرور الأشخاص الذين يتجنبون الشرطة أو الرقابة الجمركية عند نقاط التفتيش في بعض الأحيان.
أفادت مصادر حكومية بأن قبرص قد أنجزت 95% من التعديلات الفنية المطلوبة.
وأصبح الاندماج في نظام معلومات شنغن الأوروبي، ورقمنة إجراءات الرقابة، وتحديث عمليات نقاط الدخول واقعاً ملموساً. وتتحقق بعثة المفوضية من مدى فعالية هذه الإجراءات عملياً، دون أي انحرافات أو قصور.
تبدي نيقوسيا تفاؤلاً حذراً، إذ تشير ردود فعل المدققين الأولية إلى أن قبرص قد أحرزت تقدماً ملحوظاً.
ومع ذلك، فإن نتائجهم النهائية، التي من المتوقع إرسالها رسمياً إلى بروكسل في المستقبل القريب، ستحدد موقف الدول الأعضاء التي يتعين عليها منح الموافقة بالإجماع التي طال انتظارها.
“رافعة” التنمية
إن انضمام قبرص إلى منطقة شنغن ليس مجرد إصلاح إداري، بل هو خيار استراتيجي ذو تداعيات عميقة على اقتصاد البلاد ومجتمعها وصورتها الدولية.
وتشمل فوائده العديدة إلغاء الضوابط الصارمة على الحدود الخارجية للمسافرين من وإلى دول شنغن الأخرى، وزيادة حرية التنقل، وتعزيز السياحة، وتسهيل الأعمال التجارية، والانفتاح بشكل عام على نماذج التنمية الجديدة القائمة على حرية التنقل.
بالنسبة للمواطنين والشركات، فإن الانضمام إلى منطقة شنغن سيعني سفراً أكثر راحة وسرعة، وبيروقراطية أقل، وتكاملاً ذا مغزى في منطقة تعمل فيها الحدود كخط رسمي أكثر من كونها عائقاً.
أما بالنسبة للاقتصاد، فيقدر الخبراء أن تسهيل حركة الأشخاص والسلع يمكن أن يعزز بشكل كبير كلاً من الاستثمار المباشر وإنشاء قطاعات أعمال جديدة.
من أهم الحجج المؤيدة لانضمام قبرص إلى منطقة شنغن قدرتها على جذب استثمارات استراتيجية عالية الجودة.
وتُظهر تجارب الدول التي انضمت إلى شنغن سابقاً أن حرية التنقل تُسهم بشكل كبير في تعزيز ثقة المستثمرين.
وتُعتبر العضوية بمثابة “شهادة استقرار”، مما يؤكد التزام الدولة بتطبيق قواعد صارمة للأمن والموثوقية والشفافية.
بالنسبة لقبرص، تُعدّ هذه لحظة حاسمة، إذ تتمتع ببيئة ضريبية مواتية، وموقع جغرافي استراتيجي، وقوى عاملة ماهرة، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا والشحن والخدمات المالية.
ويمكن أن يُسهم انضمامها إلى منطقة شنغن في تعزيز مصداقيتها وجاذبيتها.
وبشكل أكثر تحديداً، من المتوقع أن يعزز الانضمام الاستثمارات في مجال التكنولوجيا المتقدمة.
وستجد الشركات الدولية التي تنقل مديريها التنفيذيين بشكل متكرر داخل الاتحاد الأوروبي في قبرص وجهةً خالية من الحواجز الحدودية الإضافية.
سيساعد ذلك قطاع الخدمات وريادة الأعمال.
ستتمكن الشركات الناشئة والشركات المبتكرة من تأسيس أعمالها في البلاد مع ضمان سهولة الوصول إلى سوق العمل والمستثمرين الأوروبيين.
كما سيساهم ذلك في تعزيز السياحة عالية الجودة.
يُسهم تسهيل الوصول من وإلى دول شنغن في تعزيز القدرة التنافسية لقبرص في أحد أهم أنشطتها الاقتصادية، مما سيعود بالنفع على الاستثمارات في العقارات والمكاتب التجارية.
وبإمكان قبرص أن تصبح مركزاً إقليمياً للأعمال للشركات الباحثة عن بيئة آمنة ومستقرة في شرق المتوسط.
التحديات السياسية
لكن الجانب الآخر من القضية ليس بالهين.
تقع قبرص في قلب تدفقات الهجرة المتزايدة باستمرار والتي تقترب من حدود البنية التحتية للدولة.
ونظرًا لموقعها الجغرافي، فهي بوابة لآلاف الأشخاص من دول أخرى.
ويُعدّ استيعاب هذه التدفقات تحديًا، ومع اتفاقية شنغن، تتزايد المتطلبات.
علاوة على ذلك، لا يزال الخط الأخضر يمثل قضية بالغة الأهمية.
فرغم أنه ليس حدوداً دولية بل خط وقف إطلاق نار، إلا أنه في الواقع يُعدّ نقطة دخول للمهاجرين غير الشرعيين.
وتُعدّ كيفية التعامل مع هذه الظاهرة ضمن إطار اتفاقية شنغن من أخطر المعضلات السياسية.
وتُقرّ بروكسل بخصوصية هذا الأمر، لكنها تدعو إلى آليات رقابة موثوقة وتعاون فعّال مع قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص.
وينشأ عبء سياسي إضافي بسبب الحاجة إلى الإجماع المطلق بين الدول الأعضاء في منطقة شنغن، حيث يكفي وجود خلاف واحد لتجميد العملية.
لذا، يجمع مسار قبرص نحو منطقة شنغن بين التقييمات الفنية والدبلوماسية السياسية والتحديات.
وإذا تمكنت البلاد من تجاوز العقبات الأخيرة، فإنها ستفتح فصلاً جديداً من سهولة التنقل، وزيادة النشاط الاقتصادي، وتعزيز المصداقية، وتعميق التكامل الأوروبي.
ستكون الفترة المقبلة حاسمة حيث أن عمليات التفتيش التي يجريها الفريق الأوروبي، والاستنتاج النهائي، وقبل كل شيء، موقف الدول الأعضاء، ستحدد ما إذا كان عام 2026 هو العام الذي تصبح فيه قبرص عضواً كاملاً في منطقة شنغن.
المصدر: SIGMA LIVE
تستطيع الدخول للخبر في الجريدة الرسمية بمجرد الضغط على هذا الرابط:-
يرجى ملاحظة أن جميع المواد المعروضة في “موقع فلسطينيو قبرص” محمية بحقوق الطبع والنشر وقوانين الألفية الرقمية لحماية البيانات.