انخفاض معدل المواليد في قبرص: الأسباب والآثار والحلول

يعد انخفاض معدل المواليد أحد أخطر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه قبرص في العقود الأخيرة. وقد أدى انخفاض الولادات وارتفاع متوسط ​​العمر المتوقع إلى خلق صورة ديمغرافية غير مواتية، مع آثار خطيرة على النظام الصحي وسوق العمل والاقتصاد بشكل عام.

في هذا المقال سنتناول الأسباب الرئيسية لظاهرة انخفاض الخصوبة في قبرص وآثارها، بالإضافة إلى الحلول والإجراءات الممكنة التي يمكن للدولة اتخاذها لعكس هذا الوضع.

تعود أسباب انخفاض معدل المواليد في قبرص إلى مجموعة من العوامل المختلفة التي تؤدي إلى انخفاض تدريجي في معدل المواليد، ومن بينها ما يلي:

> انعدام الأمن الاقتصادي وزيادة تكاليف المعيشة : أدت الأزمة الاقتصادية التي ضربت قبرص مؤخرًا وإجراءات التقشف اللاحقة إلى انعدام الأمن الاقتصادي القوي بين الأجيال الشابة.

يجد الشباب صعوبة في العثور على وظائف مستقرة وجيدة الأجر، مما لا يشجعهم على تكوين أسرة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة، بما في ذلك تكاليف التعليم والسكن والرعاية الصحية، يجعل إنجاب الأطفال وتربيتهم أكثر صعوبة بالنسبة للعديد من الأسر.

> التغييرات في نمط الحياة : تغيرت أنماط المعيشة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

تعطي الأجيال الشابة الأولوية لتطورها المهني وحريتها الشخصية، في حين تم تخفيض مستوى مؤسسة الزواج والأسرة.

أدت التغيرات في نمط الحياة والقيم الاجتماعية إلى اختلاف الأولويات والمواقف تجاه الأسرة والإنجاب.

يفضل العديد من الأزواج التركيز على التطوير الشخصي أو العمل أو السفر بدلاً من تكوين أسرة كبيرة.

وعلى وجه الخصوص، تتمتع النساء في قبرص، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، الآن بمزيد من الفرص للتعليم والعمل.

يؤدي هذا غالبًا إلى تأجيل الإنجاب أو تقليل عدد الأطفال الذين يختارون إنجابهم.

> تأخر الإنجاب : يتأخر العديد من الأزواج في إنجاب الأطفال بسبب الرغبة في الاستقرار المالي أو النجاح المهني.

هذا التأخير يمكن أن يقلل من فرص إنجاب عدد كبير من الأطفال بسبب القيود البيولوجية.

> انخفاض حالات الزواج وزيادة حالات الطلاق : الاتجاه نحو عدد أقل من الزيجات والمزيد من حالات الطلاق يؤثر سلبا على عدد الأطفال المولودين. وترتبط الزيادة في الوالدية الوحيدة أيضًا بانخفاض في الإنجاب.

> انخفاض الدعم المقدم للأسر : إن الافتقار إلى السياسات الحكومية الكافية لدعم الأسر، مثل عدم وجود ما يكفي من دور الحضانة العامة وعدم كفاية إعانات الأطفال، يجعل الأبوة عملية صعبة ومتطلبة من الناحية المالية. وهذا ما يعزز عزوف الكثير من الأزواج عن الإنجاب.

> انخفاض معدل المواليد والهجرة : تؤدي هجرة الشباب إلى بلدان أخرى بسبب فرص العمل الأفضل إلى تقليل عدد السكان في سن الإنجاب، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة انخفاض معدل المواليد.

آثار ضعف الخصوبة

يؤدي انخفاض معدل المواليد إلى عدد من العواقب السلبية على المجتمع والاقتصاد في قبرص:

* الشيخوخة الديموغرافية : يؤدي انخفاض عدد المواليد مع زيادة متوسط ​​العمر المتوقع إلى شيخوخة السكان الديموغرافية. وهذا يزيد من الضغط على أنظمة التقاعد والصحة في البلاد حيث يحتاج المزيد من كبار السن إلى الرعاية والمعاشات التقاعدية.

* العبء على القوى العاملة : إن انخفاض عدد السكان في سن العمل يؤدي إلى نقص في القوى العاملة، وبالتالي انخفاض الإنتاجية والنمو الاقتصادي للبلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأجيال الشابة المتبقية مدعوة إلى دعم الأجيال الأكبر سنا ماليا، مما يزيد من العبء الضريبي عليها.

* ارتفاع تكاليف الرعاية الاجتماعية : مع زيادة نسبة المسنين، يزداد الإنفاق على الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية وغيرها من أشكال الرعاية الاجتماعية. وهذا يشكل ضغطاً على ميزانية الحكومة وقد يتطلب ضرائب أعلى أو إعادة تخصيص الموارد.

* إضعاف البنية الاجتماعية : يمكن أن يؤدي انخفاض الولادات إلى إضعاف الروابط الأسرية والمجتمعية، حيث أن الأسر الصغيرة لديها عدد أقل من العلاقات والدعم بين الأجيال. وهذا يمكن أن يؤثر على التماسك الاجتماعي ورعاية كبار السن.

الضغط على نظام التعليم : على الرغم من أنه قد يكون هناك انخفاض في الطلب على خدمات التعليم بسبب انخفاض عدد الأطفال، إلا أن شيخوخة السكان قد تفرض الحاجة إلى إعادة تكييف نظام التعليم لتلبية احتياجات سوق العمل و التعلم مدى الحياة .

* اختلال التوازن الديموغرافي : يمكن أن يؤدي انخفاض الخصوبة إلى خلق اختلالات ديموغرافية كبيرة، مما يؤثر على النسبة بين الفئات العمرية المختلفة والديناميات الإنجابية للسكان. ويمكن أن يكون لذلك عواقب طويلة المدى على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.

* تدفقات الهجرة : يمكن أن تؤدي الحاجة إلى تجديد القوى العاملة إلى زيادة تدفقات الهجرة. وهذا بدوره يمكن أن يحدث تغييرات ثقافية واجتماعية من شأنها أن تؤثر على هوية وتماسك المجتمع القبرصي.

*عدم المساواة الاجتماعية : يمكن أن يؤدي انخفاض الخصوبة إلى تعزيز عدم المساواة الاجتماعية، حيث قد تواجه الأسر التي لديها أطفال صعوبات مالية أكبر من الأسر التي ليس لديها أطفال.

الحوافز المالية للعائلات الشابة

ولمعالجة مشكلة انخفاض الخصوبة، يتطلب الأمر استراتيجيات شاملة وطويلة الأجل ضمن نهج متعدد الأبعاد، يجمع بين التدابير الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية، والذي من شأنه أن يشجع على زيادة الولادات.

يمكن للحكومة تنفيذ حوافز مالية لتشجيع الأزواج على إنجاب الأطفال. قد تشمل هذه:

– الإعفاءات الضريبية : تقديم إعفاءات ضريبية للأسر التي لديها أطفال، مثل تخفيضات ضريبة الدخل والإعفاءات الضريبية للنفقات المتعلقة بتعليم الأطفال والرعاية الصحية.

كما أن إدخال الإقرار الضريبي المشترك للزوجين مع زيادة معدل الإعفاء الضريبي، سيشجع على زيادة حالات الزواج وانخفاض حالات الطلاق.

إعانات الأطفال : زيادة الإعانات لكل طفل، وخاصة للعائلات التي لديها العديد من الأطفال، لتقليل العبء المالي لتربية الأطفال.

ويمكن اتخاذ تدابير خاصة للأسر التي لديها أكثر من طفلين لزيادة عدد الولادات.

 دعم السكن : برامج دعم لشراء مساكن للأسر الجديدة أو تحسين المساكن القائمة لاستيعاب الأطفال.

 تمديد إجازة الأمومة والأبوة : توفير المزيد من إجازة الأمومة والأبوة مدفوعة الأجر بالكامل حتى يتمكن الآباء من قضاء المزيد من الوقت في رعاية أطفالهم.

 ساعات عمل مرنة : تحديد ساعات عمل مرنة أو إمكانية العمل عن بعد للوالدين، حتى يتمكنوا من تحقيق التوازن بين حياتهم العملية مع الأسرة بشكل أفضل.

 إنشاء مراكز رعاية الأطفال : تطوير مراكز رعاية أطفال ذات جودة وبأسعار معقولة بالقرب من أماكن العمل أو أماكن الإقامة لتسهيل تربية الأطفال، والسماح للآباء بمواصلة حياتهم المهنية دون القلق بشأن رعاية الأطفال.

كما أن تمديد ساعات عمل هذه المحطات وتحسين جودة الخدمات المقدمة يمكن أن يسهل الأمر على العائلات.

– التثقيف والإرشاد : تقديم برامج التثقيف والإرشاد للأزواج الجدد حول الخصوبة والإنجاب وتربية الأطفال. وبشكل أكثر عمومية، فإن تثقيف الشباب حول فوائد الحياة الأسرية وتعزيز الأبوة كهدف إيجابي ومرغوب يمكن أن يساعد في تشكيل ثقافة جديدة تشجع على الإنجاب.

– الدعم الوظيفي والتعليمي : تقديم الحوافز لمواصلة التعليم والتدريب المهني، حتى بعد الإنجاب، حتى لا يتم تأجيل الإنجاب بسبب الخوف من الركود المهني.

– حملات التوعية : تنظيم حملات إعلامية حول أهمية الأسرة وقيمة إنجاب الأطفال، بهدف تغيير النظرة تجاه الإنجاب.

– تعزيز السياسة الأسرية : تعزيز السياسات التي تعزز المساواة بين الجنسين والتوازن بين العمل والحياة، لجعل إنجاب الأطفال خيارًا أكثر جاذبية للأزواج.

– دعم العقم : تقديم خدمات مجانية أو مدعومة لمعالجة العقم، مثل الإخصاب خارج الرحم (IVF)، لمساعدة الأزواج الذين يواجهون صعوبة في إنجاب الأطفال.

– تحسين الرعاية قبل الولادة وبعدها : تعزيز الخدمات الصحية للحوامل والأمهات الجدد بهدف تعزيز صحة الأطفال والأسر.

 ويتعين على الشركات والدولة تعزيز السياسات التي تشجع التوازن بين العمل والحياة. وقد يشمل ذلك توفير ساعات عمل مرنة، وإجازة أمومة وأبوة مدفوعة الأجر بالكامل، ودعم العمل من المنزل.

إن تطوير سياسة ديموغرافية فعالة تتضمن جذب ودمج المهاجرين الجدد يمكن أن يساعد في زيادة قوة العمل. ومن الممكن أن يؤدي تعزيز البرامج لتشجيع القبارصة في الخارج على العودة إلى ديارهم إلى التخفيف من مشكلة انخفاض معدلات المواليد.

يعد انخفاض الخصوبة في قبرص مشكلة معقدة ذات أبعاد متعددة.

ويتطلب التصدي لها إجراءات منسقة من جانب الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

إن تهيئة بيئة مواتية للحياة الأسرية وتوفير دعم مفيد للأسر الجديدة أمر بالغ الأهمية لعكس انخفاض معدلات المواليد وضمان مجتمع مستدام وديناميكي للمستقبل.

*أستاذ بجامعة فيليبس، والرئيس السابق للجامعة الأوروبية في قبرص، والرئيس السابق للمنظمة الأوروبية لمؤسسات التعليم العالي (EURASHE). a.orphanides@philipsuni.ac.cy
المصدر: philenews
تستطيع الدخول للخبر في الجريدة الرسمية بمجرد الضغط على هذا الرابط:-

https://www.philenews.com/kipros/koinonia/article/1505285/ipogennitikotita-stin-kipro-etia-epiptosis-ke-lisis/

مشاركة:

يرجى ملاحظة أن جميع المواد المعروضة في “موقع فلسطينيو قبرص” محمية بحقوق الطبع والنشر وقوانين الألفية الرقمية لحماية البيانات.

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *